مفهوم الثقافة وخصائصها



مفهوم الثقافة وخصائصها

تعدّ الثقافة عاملاً هامّاً في تصنيف المجتمعات والأمم، وتمييز بعضها من بعض، وذلك بالنظر لما تحمله مضمونات الثقافة من خصائص ودلالات ذات أبعاد فردية واجتماعية، وإنسانية أيضاً.
   ولذلك، تعدّدت تعريفات الثقافة ومفهوماتها، وظهرت عشرات التعريفات ما بين (1871-1963) منها ما أخذ بالجوانب المعنوية / الفكرية، أو بالجوانب الموضوعية / المادية، أو بكليهما معاً، باعتبار الثقافة- في إطارها العام- تمثّل سيرورة المجتمع الإنساني وإبداعاته الفكرية والعلميّة.
1- مفهوم الثقافة :
  لعلّ أقدم تعريف للثقافة، وأكثرها شيوعاً، ذلك التعريف الذي وضعه / ادوارد تايلور / والذي يفيد بأنّ الثقافة : هي ذلك الكلّ المركّب الذي يشتمل على المعرفة والعقائد، والفن والأخلاق والقانون، والعادات وغيرها من القدرات التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع.
  وعرّفها عالم الاجتماع الحديث / روبرت بيرستيد / بقوله : ( إنّ الثقافة هي ذلك الكلّ المركّب الذي يتألف من كلّ ما نفكّر فيه، أو نقوم بعمله أو نمتلكه، كأعضاء في مجتمع ) .
  وضمن هذا المفهوم، يرى / جيمس سبرادلي J. Spradley) أنّ ثقافة المجتمع، تتكوّن من كلّ ما يجب على الفرد أن يعرفه أو يعتقده، بحيث يعمل بطريقة يقبلها أعضاء المجتمع .. إنّ الثقافة ليست ظاهرة ماديّة فحسب، أي أنّها لا تتكوّن من الأشياء أو الناس أو السلوك أو الانفعالات، وإنّما هي تنظيم لهذه الأشياء في شخصيّة الإنسان. فهي ما يوجد في عقول الناس من أشكال لهذه الأشياء.  
وهذا يتّفق إلى حدّ بعيد مع التعريف الذي يفيد بأن مصطلح الثقافة Culture في اللغة الإنكليزية، على معنى الحضارة Civilization كما في اللغة الألمانية ،له وجهان:
وجه ذاتي : هو ثقافة العقل .. ووجه موضوعي : هو مجموعة العادات والأوضاع الاجتماعية، والآثار الفكرية والأساليب الفنيّة والأدبية، والطرق العلمية والتقنية، وأنماط التفكير والإحساس، والقيم الذائعة في مجتمع معيّن .فالثقافة هي طريق حياة الناس، وكلّ ما يملكون ويتداولون، اجتماعياً وبيولوجياً.
  وربّما يكون أحدث مفهوم للثقافة، هو ما جاء في التعريف الذي اتّفق عليه في إعلان مكسيكو (6 آب 1982 )، والذي ينصّ على أنّ الثقافة – بمعناها الواسع – يمكن النظر إليها على أنّها: ( جميع السمات الروحية والمادية والعاطفية، التي تميّز مجتمعاً بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها. وهي تشمل : الفنون والآداب وطرائق الحياة .. كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان، ونظم القيم والمعتقدات والتقاليد).
ويعتقد معظم علماء الأنثروبولوجيا أنّ الحضارة ما هي إلاّ مجرّد نوع خاص من الثقافة، أو بالأحرى، شكل معقّد أو " راقٍ " من أشكال الثقافة. ولذلك لم يعتمدوا قطّ، التمييز الذي وضعه علماء الاجتماع بين الثقافة والحضارة .. فمن المعروف أنّ بعض علماء الاجتماع يميّزون بين الحضارة بوصفها " المجموع الإجمالي للوسائل البشرية وبين الثقافة بوصفها " المجموع الإجمالي للغايات البشرية .
  وتأسيساً على ذلك، اعتمد كثير من الباحثين في دراسة الأنثربولوجيا الثقافية / النفسيّة والاجتماعية / على ثلاثة مفهومات أساسية، هي :
- التحيّزات الثقافية : وتشمل القيم والمعتقدات المشتركة بين الناس .
- العلاقات الاجتماعية : وتشمل العلاقات الشخصيّة التي تربط الناس بعضهم مع بعض.
- أنماط أساليب الحياة التي تعدّ الناتج الكلّي المركّب من التحيّزات الثقافية والعلاقات الاجتماعية.
  وهذا يعني أنّ الثقافة تهدي الإنسان إلى القيم، حيث يمارس الاختيار ويعبّر عن نفسه بالطريقة التي يرغبها، وبالتالي يتعرّف إلى ذاته ويعيد النظر في إنجازاته وسلوكياته. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أية ثقافة لا تؤلّف نظاماً مغلقاً، أو قوالب جامدة يجب أن يتطابق معها سلوك أعضاء المجتمع جميعهم.
  وهكذا يمكن القول : إنّ الثقافة –في إطارها العام – ليست إلاّ مفهوماً مجرّداً يستخدم في الدراسات الأنثروبولوجية للتعميم الثقافي، وأنّ ضرورة الثقافة لفهم الأحداث في العالم البشري، والتنبّؤ بإمكانية وجودها أو وقوعها، لا تقلّ أهميّة عن ضرورة استخدام مبدأ( الجاذبية) لفهم أحداث العالم الطبيعي وإمكانية التنبّؤ بها .
2- خصائص الثقافة :
  تعدّ الحياة الاجتماعية في أي مجتمع، نسيجاً متكاملاً من الأفكار والنظم والسلوكيات التي لا يجوز الفصل فيما بينها، باعتبارها تشكّل التركيبة الثقافية في المجتمع، وإلى درجة تحدّد مستوى تطوّره الحضاري.
  وإذا كان التأثير البيولوجي للإنسان في الثقافة معدوماً على المستوى الاجتماعي، باستثناء بعض الحالات الفردية الاستثنائية (الشاذة )، فإنّ تأثير العامل الثقافي على الوجود البيولوجي، هو تأثير فاعل ومحسوس، ليس على مستوى الفرد فحسب، بل على مستوى المجتمع بوجه عام. ولذلك، فكما يتمّ اصطفاء النوع، يتمّ اصطفاء الثقافة على أساس تكيّفها مع البيئة. وبمقدار ما تساعد الثقافة أعضاءها في الحصول على ما يحتاجونه، وفي تجنّب ما هو خطر، فإنّها تساعدهم على البقاء.
وهذا يؤكّد أنّ النموذج العام لأيّ ثقافة، يأتي منسجماّ مع الإطار الاجتماعي الذي أنتجها، ويرسم بالتالي السمات والمظاهر الاجتماعية لدى الأفراد الذين يتشرّبون هذه الثقافة، ويعملون ما بوسعهم للحفاظ على هذا النموذج الثقافي واستمراريته وتطويره.
  تتسم الثقافة بمجموعة من الخصائص يمكن عرضها على النحو الآتي:
1- الثقافة إنسانية: فالإنسان هو الحيوان الوحيد المزوّد بجهاز عصبي خاص، وبقدرات عقلية فريدة تتيح لـه ابتكار أفكار جديدة، وأعمال جديدة.
2- الثقافة مكتسبة: يكتسب الإنسان الثقافة من مجتمعه، منذ ولادته وعبر مسيرة حياته، وذلك من خلال الخبرات الشخصيّة. وبما أنّ كلّ مجتمع إنساني يتميّز بثقافة معيّنة، محدّدة الزمان والمكان، فإنّ الإنسان يكتسب ثقافة المجتمع الذي يعيش فيه منذ الصغر، ولا تؤثّر العوامل الفيزيولوجية في عملية الاكتساب. أي أنّ عملية التنشئة الاجتماعية الثقافية، هي العملية التي تقوم بنقل ثقافة المجتمع إلى الطفل.
3- الثقافة اجتماعية: بما أنّ الثقافة هي نتاج اجتماعي أبدعته جماعة معيّنة، فإنّ دراسة الثقافة لا تتمّ إلاّ من خلال الجماعات (المجتمعات )، وذلك لأنّ هذه الثقافة تمثّل عادات المجتمعات وقيمهم، وليست عادات الأفراد كأفراد. وإن كانت النظم الثقافية تختلف في مدى شموليتها الاجتماعية. فهناك نظم تطبّق على أفراد المجتمع جميعهم، وفي المقابل هناك نظم كثيرة، ولا سيّما في الثقافات المتمدّنة، لا تطبّق إلاّ على جماعة معيّنة داخل المجتمع الواحد، ولا تطبّق على الجماعات الأخرى. وهذا ما يدخل في الثقافات الفرعية.
4- الثقافة تطوّرية / تكاملية: على الرغم من أنّ لكلّ جماعة بشرية معيّنة ثقافة خاصة بها، إلاّ أنّ هذه الثقافة ليست جامدة، بل هي متطوّرة مع تطوّر المجتمع من حال إلى حال أفضل وأرقى. ولا يتمّ التطوّر في جوهر الثقافة ومحتواها فحسب، وإنّما أيضاً في الممارسة والطريقة العملية لسلوكيات الإنسان الذي يعيش في المجتمع المتطوّر.
  وهذا التطوّر لا يعنى أنّ كلّ مرحلة ثقافية منعزلة عن الأخرى، بل ثمّة تكامل ثقافي في ثقافة المجتمع الواحد. وذلك لأنّ الثقافة بتكاملها، تشبع حاجات الإنسان المادية والمعنوية، وهي تجمع بين المسائل المتّصلة بالروح والفكر، وبين المسائل المتّصلة بحاجات الجسد. أي أنّه تحقّق التكامل بين الحاجات البيولوجية والنفسية والاجتماعية والفكرية والبيئية.
5- الثقافة استمرارية / انتقالية: بما أنّ الثقافة تنبع من وجود الجماعة ورضاهم عنها، وتمسّكهم بها، فهي بذلك ليست ملكاً لفرد معيّن، ولا تنحصر في مرحلة محدّدة . لذا لا تموت الثقافة بموت الفرد، لأنّها ملك جماعي وتراث يرثه أفراد المجتمع جميعهم. كما أنّه لا يمكن القضاء على ثقافة ما، إلاّ بالقضاء على أفراد المجتمع الذي يتبعها، أو بتذويب تلك الجماعة التي تمارس هذه الثقافة، بجماعة أكبر أو أقوى، تفرض ثقافة جديدة بالقوّة.
   وإذا كانت الثقافة تشكّل إرثاً اجتماعياً، فإنّها إذن قابلة للانتقال من جيل الكبار إلى جيل الصغار بواسطة عملية التثقيف أو التنشئة الثقافية / الاجتماعية، أي العملية التربوية التي تعني في بعض جوانبها : (نقل ثقافة الراشدين إلى الذين لم يرشدوا بعد ). كما يمكن أن يتمّ هذا الانتقال (الانتشار) إلى جماعات إنسانية أخرى من خلال وسائل الاتّصال المختلفة .
  فالثقافة لا توجد إلاّ بوجود المجتمع، والمجتمع من جهته لا يقوم ويبقى إلاّ بالثقافة، لأنّ الثقافة طريق متميّز لحياة الجماعة ونمط متكامل لحياة أفرادها، وهي التي تمدّ هذه الجماعة الأدوات اللازمة لاطراد الحياة فيها، وإن كانت ثمّة آثار في ذلك لبعض العوامل البيولوجية والجغرافية.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقالة فلسفية : هل الحقيقة مطلقة أم نسبية ؟

مقالة جدلية : "هل المنطق الصوري يعصم الفكر من الوقوع في الخطأ

هل يمكن للعلوم الإنسانية أن تكون موضوعا للدراسة العلمية ؟