هل التجريب شرط في كل معرفة علمية؟

هل التجريب شرط في كل معرفة علمية؟
مقددمة: لقد اسس فرانسيس بيكون لقواعد المنهج التجريبي العلمي و اعتبر التجربة اهم قاعدة يقوم عليها العلم و لما كان لا يمكن للمنهج العلمي ان يقوم الا بها اختلف الفلاسفة و العلماء فمنهم من يرى ان التجريب شرط في كل معرفة علمية و منهم من يرى انه يمكن الاستغناء عن التجربة في بعض العلوم فهل التجريب شرط في كل معرفة علمية ام انه يمكن الاستغناء عنه في بعض العلوم ؟
عرض الاطروحة:
استحالة التخلي عن التجربة في البحث العلمي :يرى جملة من الفلاسفة و العلماء انه لا يمكن الاستغناء عن التجربة في البحث العلمي لانه الخطوة التي يقوم عليها العلم ,فالعالم يبتدا بحثه من الملاحظة العلمية ثم يفترض الفروض التي هي عبارة عن حلول مؤقتة للظاهرة المدروسة فيستخدم التجريب للتاكد من صحة فروضه فلا يمكن لاي معرفة ان نسميها علمية الا اذا اختتمها العالم بالتجربة و هي الخطوة الجوهرية والتطبيق العملي التي يعدها العالم المجرب قصد تقييم الفرضيات لتبنيها في حالة صدقها أو رفضها في حالة كذبها. كما يسميها " كلود برنار " " أي إنجاز عملية التحقق من الفرضية".
وينتهي هذا المنهج بالقانون العلمي الذي يتوِّج مسار البحث؛ كونه تكميم للظاهرة المدروسة كنتيجة للتجربة، وله قابلية التكرار، لأنه يرتكز على مبدأ الحتمية، وقابلية التعميم عن طريق الاستقراء، وأخيرا إمكانية التنبؤ.
إذن لا معنى للملاحظة العلمية في حد ذاتها، ولا معنى للفرضية في حد ذاتها؛ إن التجربة تستوعب نتائج الخطوتين السابقتين وتتوجهما بتدوين قانون العلاقات الثابتة بين الأشياء؛ من أجل تنبؤ الإنسان بحركات الظواهر وتسخيرها. يقول " ك. برنار": "إن التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نملكها لنتطلع على طبيعة الأشياء التي هي خارجة عنا".
النقد: رغم اهمية التجربة في البحث العلمي لكن هناك من يرى انها لا تسلح لجميع العلوم فهناك علوم قائمة بحد ذاتها و لكنها لا تستخدم التجريب فكيف نفسر ذلك ؟
عرض نقيض الاطروحة: يرى جملة من الفلاسفة و العلماء التجربة غير ممكنة في كل الحالات
ورغم إصرار الاتجاه التجريبي الكلاسيكي باستحالة التخلي عن التجربة، إلا أن التجربة في مفهومها العملي تتغير وتتقولب مع طبيعة الموضوع؛ ومن ذلك، فإجراء التجربة لا يتيسر في الكثير من الحالات كحالة الفلكي، والجيولوجي الذي يعرض لتاريخ تكوين طبقات الأرض وجوفها، وفيزياء الجسيمات المتناهية الصغر... فكثيرا ما يكون إجراء التجارب غير ميسورا...وفي مثل هذه الحالات يقوم الباحث باستخدام الملاحظة العلمية، على موضوعات بحثه لأن ملاحظة العالم في هذه المجالات تعد في الوقت نفسه ملاحظة وتجربة. ان هناك علاقة وطيدة بين الملاحظة والتجريب.
فيمكن أن يستغني الباحث عن خطوة من الخطوات، أو يقدم أو يؤخر بعضها عن بعض، واعتماد غير المباشر بدل المباشر، بمعنى تكييف المنهج وفق الموضوع. فقد يستغني الباحث عن بعض خطوات المنهج التجريبي كالملاحظة مثلا، ويستبدلها بغيرها تماشيا مع طبيعة الموضوع الذي يدرسه، وخصوصيات العلم الذي ينتمي إليه. فيتعين عليه اللجوء إلى الاستدلال عندما لا يتمكن من المشاهدة الحسية المباشرة كما هو الحال في رؤية مركز الأرض لمعرفة هل هو صلب أو سائل أو غاز.و كذلك هو الحال في العلوم الانسانية التي لا يستطيع فيها الباحث ان يجرب فيكفي بالملاحظة العلمية و افتراض حلول للظواهر النفسية و الاجتماعية و التاريخية و من هنا فهذه العلوم هي علوم لا تعتمد على التجربة و لكنها استطاعت ان ترقى الى مصاف العلوم و تحقق نتائج باهرة .
النقد: لكن رغم النجاح الذي وصلت اليه تلك العلوم لم تكن نتائجها يقينية بل ترجيحية تقريبية و لم ترقى الى مستوى العلوم التي تستخدم التجريب كشرط اساي فيها بل بقيت مجرد افكار علمية لم يستطع العالم ان يتحقق منها لصعوبة التجريب عليها
التركيب : رغم ان التجريب شرط اساسي في المنهج العلمي و لكنه ليس شرط في كل المعارف العلمية فهناك معارف علمية لا تستخدم التجريب كالعلوم الانسانية و علم الفلك و الجيولوجيا و لكنها علوم استطاعت ان تحقق الكثير و ان ترقى الى مستوى العلوم التجريبية فلكل علم منهجه .
الخاتمة : نستنتج اخيرا ان التجريب ليس شرط في كل معرفة علمية و لكن لا يعني ذلك ان نقلل من قيمة التجربة في البحث العلمي فهي وحدها التي تستطيع ان تتحقق من نتائج العلم اما العلوم التي لا تستخدم التجربة فهي علوم لها مناهجها الخاصة و قد توصلت الى ان تكون علوما بمستوى العلوم التجريبية

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل يرتبط الإبداع بالعوامل الذاتية أم بالعوامل الموضوعية ؟ هل نعتبر الإبداع ظاهرة فردية أم ظاهرة اجتماعية ؟ هل للقرارات الفردية دخل في الإبداع ؟

هل الفلسفة الاسلامية اصيلة ام دخيلة؟ (الطريقة الجدلية)

هل يفسر الإبداع برده إلى العوامل النفسية أم الاجتماعية ؟مقالة جدلية