علم السكان ـ نظريات ومفاهيم
علم السكان ـ نظريات ومفاهيم
يبدو هاجس دراسة الحالة الحضارية الانسانية ودورها في اعمار الارض
واستغلال ثرواتها هاجسا كبيرا ومستمرا يتعلق بالقفزات الحضارية التي يحققها
الانسان في تنظيم مجتمعاته وتطوير تقنياته، حيث برزت خلال المئتي عام الاخيرة
المشكلة السكانية مشكلة تنموية حقيقية يجب ان تؤخذ بعين الاعتبار اثناء وضع خطط
التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل مجتمع وكذلك علاقتها بتمويل التنمية من خلال
تنشيط الادخار ومن ثم الاستثمار. ويرى الباحث هاني شحادة الخوري في تقديمه لكتاب
«علم السكان ـ نظريات ومفاهيم» من تأليف الدكتور عبدالرحيم بوادقجي والدكتور عصام
خوري والصادر عن دار الرضا للنشر.. 
ان الثقافة السكانية ثقافة ضرورية تبين مدى فعالية النشاط الاقتصادي
والسياسي الذي يقوم به الانسان وما هي الآفاق التي سيصل اليها هذا النشاط السكاني
الذي تغلب عليه صفة استهلاك الطبيعة والبيئة وتآكل الثروة وتوازنها في المجتمع
بالتوافق مع طبيعة النشاط الاقتصادي الذي يقوم به الانسان غالبا.فعلوم السكان علوم
اساسية وضرورية اقتصاديا وهي تتعلق بالوعي الاجتماعي الاقتصادي وبطريقة تعريف
الواقع الديموغرافي والاقتصادي السائد والوعي الاجتماعي لمؤشراته، بحيث تتخذ مواقف
وتوجهات تحمي المجتمع من مخاطر التغيرات السكانية العشوائية من خلال السكن
العشوائي وغير الصحي الى استهلاك توازن البيئة الى عدد السكان ونسب التكاثر
وارتباطها بالانتعاش الاقتصادي وتوسع خريطة الفقر وتوزعه كآلية لدراسة توزع الثروة
ودور ذلك في الحركة الاقتصادية السائدة.. فمع ان هذه المفاهيم ليست حديثة العهد
ولكن الاهتمام بها يجب ان يتجدد دوما لأهميتها في دراسة المجتمعات وتطوراتها
السكانية، فالمفهوم السكانية تعبر عن مجمل الهموم التنموية لأي مجتمع وهي رصد
لتطور الحركة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لأي مجتمع. 
فمشكلة السكان مشكلة لها انعكاسات اقتصادية وسياسية خصوصا عندما نستعرض
نظرية «مالتوس» التي تتحدث عن التكاثر السكاني بشكل متوالية هندسية والتي ترى ان
التزايد السكاني في العالم هو سبب الحروب وذلك كلما حاول الانسان توسيع نطاقه
الحيوي بسبب التزايد السكاني ووجود شعوب اضعف يمكن الحلول محلها وهذا يدل على ان
المشكلة السكانية اذا لم تحل بتطوير اساليب التنمية فانها ستؤدي لحروب كارثية في
العالم. 
وبالرغم من ان المفاهيم السكانية ليست حديثة العهد اذ جرى التطرق عليها
منذ اقدم الازمنة بصورة او بأخرى، فانها لم تتحول الى علم يثير اهتمام مختلف
المجتمعات المتقدمة والنامية الا منذ فترة وجيزة ابان النصف الثاني من القرن
العشرين، ففي العصور السابقة وبصورة خاصة قبيل الثورة الصناعية كان معدل الزيادة
السكانية منخفضا للغاية وكان الوقع اقرب الى حالة التوازن بين الجانب السكاني
والجانب الانتاجي وان كان ذلك يتم في اطار مستويات منخفضة لهذا التوازن. 
الا انه مع استمرار التطور العلمي في مختلف الميادين وبصورة خاصة في
القرن العشرين برزت الى الامام ظواهر سكانية من نوع جديد، حفزت الباحثين والعلماء
على دراستها وتحليلها ومحاولة بيان أسبابها الاقتصادية والاجتماعية ونشأت كذلك
مدارس فكرية حديثة تتبنى وجهات نظر متباينة في عديد من الاحوال. 
وقد كان من ابرز هذه الظواهر الزيادة الهائلة في معدل النمو السكاني
التي ادت الى مضاعفة عدد سكان الكرة الأرضية كل ثلاثين أو اربعين سنة، مما ادى الى
فرض ضغوط كبيرة على الموارد الوطنية وبصورة خاصة بالنسبة للدول الاقل نموا. 
ونتيجة للتقسيم الدولي الجائر للعمل وانقسام العالم الى دول غنية ودول
اخرى فقيرة اضحى ارتفاع السكان الذي يتم في معظمه في الدول الفقيرة يشكل ضغوطا
فعلية كبيرة على موارد هذه الدول بصورة اصبحت تعيق حركة التنمية فيها، مما زاد
معاناة هذه الدول التي تعاني اصلا من السياسات الاستغلالية للدول الصناعية
المتقدمة. 
فقد أضحت مسألة اعادة التوازن بين الموارد البشرية (السكان) من جهة
والموارد الطبيعية والانتاجية من جهة اخرى الهم الاكبر للدول النامية والموضوع
الاكثر جاذبية لاهتمام المدارس الفكرية المختلفة والمنظمات الدولية والاقليمية. 
في هذا الاطار يأتي الكتاب الجديد للدكتور عبدالرحيم بوادقجي والدكتور
عصام خوري «علم السكان ـ النظريات والمفاهيم» كمحاولة لبيان ودراسة اهم المفاهيم
السكانية وكشف العوامل التي تؤثر فيها او تتأثر بها وكذلك دراسة تطور الافكار
والنظريات السكانية منذ أقدم الأزمنة. 
حيث سادت خلال العقود الاخيرة في العالم عبارات مثل القنبلة السكانية
والانفجار السكاني وازمات النمو السكاني وغير ذلك من العبارات التي تكررت في
العديد من الكتب والمقالات المنشورة وفي هذا الاطار قام العديد من المؤلفين وخبراء
علم السكان بالاشارة الى ان المشكلة الرئيسية التي تواجه البلدان الأقل نموا تتمثل
بالنمو السريع للسكان فيها والذي يبدو بأنه يهدد عملية التنمية الاقتصادية
والاجتماعية فيها. 
ويشير المؤلفان في كتابهما الجديد ووفقا للمجموعات الاحصائية الدولية
والبيانات السكانية المتاحة، فقد قدر عدد السكان في عام 1990 بنحو 5.292 مليارات
نسمة ومن المتوقع ان تصل الى أكثر من ستة مليارات في عام ألفين والى حوالي 8
مليارات نسمة في عام 2025 وفي هذا الصدد فان 85% من الزيادة السكانية الحالية تتم
في هذه البلدان دون ان يكون هناك اي توقع لحدوث تحول جوهري في هذا الوضع للأمد
المنظور. 
ويؤكد الباحثان ان ما يسمى بالمشكلة السكانية قد اضحى هما عالميا شاملا
يثير اهتمام جميع الدول المتقدمة والنامية منها وجميع المنظمات الدولية
والاقليمية، ففي التقرير النهائي للمؤتمر العالمي للسكان والتنمية والذي انعقد في
القاهرة عام 1994 ورد «ان العالم قد شهد تحولات كبيرة خلال العقدين الأخيرين وحدث
تقدم ملموس في مجالات عديدة لصالح البشرية بفضل جهود وطنية ودولية، الا ان الدول
النامية ما زالت تواجه صعوبات اقتصادية جدية ومناخا اقتصاديا عالميا غير ملائم،
الى جانب ارتفاع اعداد السكان الذين يعيشون في فقر مدقع في العديد من الدول، ففي
عالم اليوم فان العديد من الموارد الاساسية التي يعول ان تعتمد عليها الاجيال
القادمة في حياتها ومعيشتها تتعرض للنقص والنضوب. 
حيث تتعاظم ظواهر التراجع البيئي مشدودة دائما بالنماذج والاساليب غير
الملائمة لعمليات الانتاج والاستهلاك وارتفاع الزيادة السكانية بصورة لم يسبق لها
مثيل وانتشار مظاهر الفقر المزمن وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية هذا اضافة
الى الظواهر البيئية الاخرى، مثل التبدلات الحاصلة في المناخ على الكرة الارضية
والتي تعود اليها بدرجة كبيرة طبيعة الاساليب غير الملائمة في الانتاج والاستهلاك،
مما يحدد بالضرورة حياة ومعيشة الاجيال القادمة. 
وعن الديمغرافيا الاساسية والديمغرافيا الاجتماعية يشير الباحثان الى
انه اصبحت الدراسات السكانية من العلوم القائمة بذاتها في الخمسين سنة الاخيرة بعد
ان ظلت فترة طويلة تحت وصاية علوم اخرى كالجغرافيا والاجتماع والاقتصاد ولعل اهم
سبب في تأخر استقلال هذا العلم هو انه يعتمد على توافر قدر كاف من البيانات
والمعلومات الاحصائية الموثوق بصحتها قدر المستطاع، لان هذه البيانات هي المادة
الاولية التي يتناولها الباحث بمنهجه العلمي الخاص فينقب عما فيها من ارتباطات
ويسعى الى استخلاص الأسس او القواعد التي تحكمها أو تؤثر فيها او تتأثر بها، ليصل
الى النتائج والمقترحات المختلفة التي يطرحها لحل هذه المشكلة او تلك. 
وعن الحوار الاقتصادي السكاني فلا شك ان التنمية السكانية وأثرها على
التنمية الاقتصادية والاجتماعية يجري تقييمها بصور مختلفة باختلاف المدارس الفكرية
الاقتصادية والاجتماعية، فواقع الامر ان هناك حوارا فكريا واسعا حول العلاقة
المتبادلة بين الجوانب الاقتصادية والجوانب السكانية لعملية التنمية في حركتها
المتواصلة والمستمرة وفي هذا الاطار يمكن ملاحظة ثلاث وجهات نظر في الحوار
الاقتصادي السكاني القائم. فوجهة النظر الاولى تعتبر النمو السكاني عنصرا وعاملا
مساعدا بأن التزايد السريع للسكان يمثل احد اهم عوامل التخلف في البلدان النامية،
في حين تؤكد وجهة النظر الثانية عدم وجود أية علاقة او ارتباط بين النمو السكاني
والتطور الاقتصادي فالتزايد السكاني ليس له علاقة بالشأن الاقتصادي. 
وفيما بين وجهات النظر الثلاث المشار اليها يعتقد الكثير من المفكرين
ان التطور الاقتصادي يجري ويأخذ ابعاده تحت مظلة التأثير المشترك لمختلف العوامل
السكانية والاقتصادية والاجتماعية واكثر من ذلك فانه من المستحيل وجود أي من
المتغيرات الاقتصادية ام السكانية بصورة منفردة ام منعزلة عن العوامل الاخرى،
ولذلك فمن مهمة العلوم الاقتصادية والسكانية والاجتماعية وبعض العلوم الاخرى اكتشاف
وتعيين العلاقة المتبادلة بين المتغيرات الاقتصادية والمتغيرات السكانية وقياس
طبيعة وحدود هذه العلاقة وانطلاقا من ذلك فان كولين كلارك الاقتصادي الزراعي
البريطاني يناقش ان النمو السكاني يؤدي في الاجل الطويل الى تحقيق التنمية
الاقتصادية بصورة اكبر من النمو السكاني البطيء او من وضع الاستقرار السكاني. 
حيث يشير كلارك في نقاشه الى أوروبا التي يتبين ان الثورة الصناعية
فيها قد ترافقت بحالة النمو السكاني وان هذه الظاهرة كانت عامة في جميع الحالات
المماثلة. كما تعتمد مناقشته على ان النمو السكاني يمثل قوة محرضة على القيام
بمجموعة من العمليات مثل استصلاح الاراضي وتجفيف المستنقعات وتحضيرها للزراعة
وتنمية انواع جديدة من المحاصيل والتوسع في استخدام الاسمدة وادخال اساليب الري
الحديثة وغير ذلك. 
ويشير الباحثان الدكتور عبدالرحيم بوادقجي والدكتور عصام خوري في فصل
خاص عن النظريات المعاصرة حول النمو السكاني والتنمية الاقتصادية انه وعند دراسة
العلاقة المتبادلة بين المؤشرات الاقتصادية والمؤشرات الديمغرافية فمن الصعب
التفريق بين النتائج والمسببات، حيث يبدو كل من هذه المؤشرات سببا ونتيجة في آن
واحد، اذ يبدو من المتعذر في كثير من الاحيان وجود اي من المتغيرات السكانية او
تلك الاقتصادية دون ان يكون له ارتباط معين مع المتغيرات الاخرى. 
فحقيقة الامر ان الاقتصاديين والديمغرافيين المعاصرين قد ركزوا بصورة
مختلفة حول دور السكان في عملية التنمية الاقتصادية، لذلك فان عرض ودراسة اهم
النظريات المعاصرة حول العلاقة بين السكان والنمو الاقتصادي يفيد في تحقيق فهم
افضل لطبيعة العلاقة بين السكان والاقتصاد ومن هذه النظريات نظرية التحول
الديمغرافي ونظرية مالتوس ونظرية الاقتصاد الجزئي او المكري للخصوبة. 
وعن الخصوبة يرى الباحثان في كتابهما الجديد ان الولادات تعد العنصر
الديمغرافي الاخر المهم الذي يقرر حركة النمو السكاني حتى ان بعض الكتاب يعتبرون
من الولادات الحادثة الديمغرافية الاولى وحجر الاساس لأنها نقطة البدء للحياة
البشرية حيث تؤثر في بنى السكان المختلفة وفي مجمل الخصائص الديمغرافية لهم، بما
في ذلك تنقلاتهم وطريقة انتشارهم على وجه الكرة الارضية. 
هذا في الوقت الذي تعتبر فيه الهجرة ظاهرة اجتماعية كانت ومازالت
موجودة في كل زمان ومكان وهي اخر العناصر الثلاثة المؤثرة في تغيير العدد السكاني
حيث تعد المصدر الوحيد والاخير لتغيير حجم السكان بعد استبعاد الزيادة الطبيعية
للسكان من ولادات ووفيات. 
كما تعتبر الهجرة من وجهة النظر الديمغرافية البحتة اقل أهمية بكثير من
المواليد والوفيات في احداث تغيرات في سكان الدول او حتى في المناطق داخل الدولة
الواحدة ومع ذلك فكثيرا ما تصبح الهجرة اهم العوامل الرئيسية الثلاث المتصلة بتغيرات
السكان في دولة او منطقة معينة ثم ان هجرة السكان من مكان الى اخر كثيرا ما تكون
ذات تأثير اكبر من اثار التغيرات الحاصلة في معدل المواليد ومعدل الوفيات من حيث
الخصائص الاجتماعية والديمغرافية والاقتصادية. 
ويرى الباحثان انه وبالرغم من تعاظم اهتمام العلماء وصانعي السياسة
بموضوع الهجرة كنتيجة حتمية لادراكهم أهميتها المتزايدة، فان دراسة الهجرة ليست
سهلة وميسرة مثل دراسة المواليد والوفيات وذلك يعود الى النقص الكبير في البيانات
الخاصة بهذا الموضوع، فهناك افتقار كبير الى المعلومات الموثوق بصحتها ودقتها عن
الهجرات الخارجية ولا يضاهيه في جميع الدراسات السكانية الا نقص البيانات الشاملة
عن الهجرة الداخلية وهنا لابد من الاشارة الى ان الهجرة تختلف عن النمو الطبيعي
للسكان في نواح متعددة وكثيرة. 
من جهة اخرى يستخدم خبراء التعداد والعاملون بتحليل احصاءات السكان
تعبير خصائص السكان او تكوينهم او تركيبهم للدلالة على الصفات العامة الواضحة التي
تميز شخصا عن آخر وهي رغم ذلك ذات دلالة مهمة حيث تستخدم هذه الصفات كأساس لتصنيف
السكان حسب مجموعاتهم الاساسية الكبرى، وقد حدد لين سميث ابرز الخصائص السكانية
التي يتم تصنيف السكان وفقا لها بأربع صفات اساسية وهي النوع والسن وسكنى الريف
والحضر والسلالة او اللون. 
وعن السياسات السكانية يشير الدكتور عبدالرحيم بوادقجي والدكتور عصام
خوري في الفصل الاخير من كتاب «علم السكان ـ النظريات والمفاهيم» الى السياسات
السكانية حيث تركزت اهتمامات الديمغرافيين والخبراء في المجال السكاني ابان العقود
الثلاثة الاخيرة على معرفة مدى فاعلية وتأثير برامج وسياسات تنظيم الاسرة التي
تتبناها العديد من الدول النامية على خفض معدلات الخصوبة وبالتالي تأثيرها ايضا
على خفض معدلات التزايد السكاني. 
حيث لا يزال الاعتقاد سائدا لدى بعض المفكرين ان حدوث تبدلات في
العوامل المحرضة على السلوك الانجابي اكثر ما يرتبط بالتحولات الاجتماعية
الاقتصادية التي تجري في المجتمع فالتغيرات التي تحدث في نظام الحياة وانماط
المعيشة تعتبر من اكثر العوامل تأثيراً على معدلات الخصوبة والولادات
تعليقات
إرسال تعليق