القيمة الخلقية هل هي نسبية (متغيّرة) أم ثابتة (مطلقة) ؟

مـقـدّمـــــــــــــة :
تعدّ مجمل السلوكات التي تصدر عن الإنسان قصد التعايش والتكيّف مع مقتضيات حياته عبارة عن قيم أخلاقية تنتظم من خلالها مختلف العلاقات الإنسانية ، فإذا كانت القيمة الخلقية بهذه الأهمّية في حياة الإنسان :
فما مفهومهـا ؟
وهل هي من طبيعة واحدة؟
وهل هي نسبية (متغيّرة) أم ثابتة (مطلقة) ؟
وبين هاته وتلك ما هي معايير القيمة الخلقية؟
2-مفهوم القيمة:
قيمة الشيء هي مقدار المنفعة الحاصلة منه أو المرجوة منه سواء أكانت منفعة حسية أم معنوية.
-وقيمة الشيء أيضا هي مدى إستيفائه لعناصر كماله
-والقيمة بمعناها الخاص تتعلّق بالموجود من حيث هو مرغوب فيه لذاته
3-مفهوم القيمة الخلقية:
هي ما يجب أن يكون عليه السلوك الإنساني والذي على أساسه يتحدّد قبوله أو رفضه
ومنه يمكننا تحديد قيمتين أساسيتين هما الخير والشّر وعليه : فما طبيعة القيمة الخلقية هل هي نسبية أم مطلقة ؟
1- القيم الأخلاقية ثابتة :
يرى أنصار هذا الموقف أن الأخلاق ثابة وليست متغيّرة وهنا نجد أساسين لثبات القيم الأخلاقية هما الديــن والعـقــل
* الديــــــــن أساس القيمة الخلقية :
يعتبر الدين مصدرا جوهريا للتمييز بين الخير والشّر ، لأن القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة يحدّدان بنصوص قطعية الأفعال والصفات ذات القيمة الخلقية وهذا مصداقا لقوله تعالى : « إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشّر المؤمنين »، وقوله تعالى أيضا: « ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون »، وقوله صلى الله عليه وسلّم « إنّما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ». من أهم ممثلي هذا الإتّجاه :
أ- الأشاعرة :
وعلى رأسهم أبو الحسن الأشعري وكذلك إبن حزم يعتبرون الإرادة الإلهية أساس الخير ، فالخير هو ما أمرنا به الله سبحانه وتعالى والشّر هو ما نهانا عنه فالقيمة الخلقية مصدرها الله تعالى والعقل لايمتلك القدرة الكاملة على التمييز بين الخير والشّر.
ب- المعتزلة :
وهي فرقة كلامية يتزعّمها واصل بن عطاء تتّفق عن الأشاعرة في إنطلاقها من فكرة أن الشريعة الإسلامية هي مصدر القيمة الأخلاقية إلا أنّها تختلف معها في أنّ الدين جاء مخبرا عما في العقل وبعبارة أخرى أن العقل هو قوام الفعل الخلقي، فوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحقيقا للقيمة الخلقية يعلم عقلا وبه يستطيع الإنسان التمييز بين الخير والشّر ويتار الإنسان أحدهما بإرادته ويتحمل نتيجة إختياره أمام الله تعالى يوم الجزاء بالثواب أو العقاب.
مناقشة:
إن إرجاع الأخلاق إلى الدين على حساب العقل أمر فيه مبالغة كما أن ّإرجاعها على حساب الدين غير كاف ، ذلك أن الدين يحمل دعوة لإعمال الفكر والتدبّر في النصوص الشرعية، كما أن الإنسان قد يصعب عليه التمييز بين الحق والباطل نتيجة تأثّره بالميول والرغبات لذلك لابد من شرع يفصل بينهما.
* العقل أساس القيمة الخلقية :
القيمة الخلقية في نظر بعض الفلاسفة أساسها العقل ، لأنّه الوسيلة التي بفضلها يميّز الإنسان بين الخير والشّر،وممّا يبيّن أن العقلهو المصدر الوحيد للقيم الأخلاقية فهو الذي يشرّع ويضع مختلف القواعد والقوانين الأخلاقية التي تتّصف بالكلّية والشمولية أي تتجاوز الزمان والمكان. ولعل من أبز ممثلي هذا الإتّجاه نجد :
1 أفلاطــون :
يرى أنّ القيم الأخلاقية والفضائل موجودة في عالم المثل الثابت والمطلق ولا يصل الإنسان إليها بالحواس وإنّما بالعقل (بواسطة التذكر) ، لذلك على الإنسان أن يخضع كل سلوكاته لعقل لأن الفضائل توجد به لا أن يخضعها للحواس لأنها مصدر الرذيلة .يقول أفلاطون في هذا الصدد :
« إن المعرفة خير وفضيلة والجهل شر ورذيلة ».
هذا ويعدّ أفلاطون الفلاسفة والحكماء هم الأحق والأجدر بالمعرفة العقلية وبالتالي هم الذين يتميزون بالأخلاق الفاضلة ، لانهم يعرفون كيف يتعاملون مع ملكة العقل.
2- كــــــانـط :
لقد إعتبر كانط أن العقل هو مصدر القيم الأخلاقية لأنّه يحكم على الفعل في ذاته لا بالنظر إلى آثاره وقد إعتبر أيضا أن الإرادة الخيّرة هي الدعامة الأساسية للفعل الخلقي دون أي شرط بمعنى أن الإرادة الخيرية تستمد خيريتها من صميم نيّتها والشرط الذي ينبغي أن يتوفّر في الإرادة هو الواجب. وقد وضع كانط ثلاثة قواعد متكاملة للقانون الأخلاقي :
أ - إفعل كما لو كانت مسلمة فعلك أن ترتفع عن طريق إرادتك إلى قانون طبيعي عام .
ب - إفعل الفعل بحيث تعامل الإنسانية في شخصك وفي شخص كل إنسان بوصفها دائما وفي نفس الوقت غاية في ذاتها ولا تعاملها أبدا كما لو كانت مجرّد وسيلة
ج – إفعل بحيث تكون إرادتك تستطيع أن تعتبر نفسها هي المشرّعة للقانون العام الذي تخضع له
مناقشة:
إن الأخلاق عند أنصار المدرسة العقلية كانت مثالية تجريدية بعيدة عن الواقع الإنساني وعن خصائص المجتمع الذي له دور في تكوينها وحاجيات الإنسان النفسية التي لها دور في تكوينها وتحديد مبادئها.
نتيجـــــــــة :
إنّ التفسير الديني والعقلي في تحديد الأخلاق كان مطلق وكلي بعيد عن الواقع الذي يحدّد الطبيعة الحيّة والنشيطة فيما بين البشر لذلك نقول أن الأخلاق التي حدّثنا عنها رجال الدين وكذا أنصار النزعة العقلية تمثّلت فيما يجب أن يكون عليه الفعل .لذلك إذا نظرنا إلى الواقع سوف نجد تعدّدا في القيم وتنوعا في معاييرها من مجتمع إلى آخر ومن حضارة إلى حضارة أخرى ، فما تفسير هذا الإختلاف ؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل يرتبط الإبداع بالعوامل الذاتية أم بالعوامل الموضوعية ؟ هل نعتبر الإبداع ظاهرة فردية أم ظاهرة اجتماعية ؟ هل للقرارات الفردية دخل في الإبداع ؟

هل الفلسفة الاسلامية اصيلة ام دخيلة؟ (الطريقة الجدلية)

هل يفسر الإبداع برده إلى العوامل النفسية أم الاجتماعية ؟مقالة جدلية