هل الاخلاق من طبيعة نسبية ام من طبيعة موضوعية؟
هل الاخلاق من طبيعة نسبية ام من طبيعة
موضوعية؟
طرح المشكلة  "المقدمة" :تحرك
الانسان دوافع كثيرة ومتنوعة "عضوية ،نفسية اجتماعية " يحاول اشباعها من
اجل تحقيق التوازن مع ذاته ومع الاخرين ، لكن حقيقة الانسان لا تتجلى في اشباع
الدوافع فقط ، بل في قدرته على التمييز بين الخير والشر بحثا عن السلوك
الافضل  وهذا ما يُعرف في الفلسفة بموضوع
الاخلاق ، غير ان اساس القيمة الاخلاقية مسالة تحتاج الى تحليل من اجل تحديد مصدر
الالزام الخلقي وهي مسالة تعددت فيها الآراء بتعدد ابعاد الشخصية وهذا ما يدفعنا
الى طرح التساؤل التالي : هل يمكننا اقامة اخلاق على اعتبار المنافع ؟. ام ان
الاخلاق من اساس عقلي ؟.
محاولة حل المشكلة :
الموقف الاول :"
العقل اساسا للأخلاق"  يرى انصار
النظرية العقلية بان الاخلاق الحقة هي التي يجب ان تؤسس على العقل باعتباره هو من
يميز الانسان عن غيره من الكائنات ،اذ العقل هو مصدر الإلزام الخلقي في نظرهم وهو
القاسم المشترك بين جميع الناس ، والعقل يستطيع تصور مضمون الفعل ثم الحكم عليه ،
فعلامة الخير عند "سقراط" انه فعل يتضمن فضائل وعلامة الشر انه فعل يتضمن رذائل ، ورأى افلاطون
ان محور الاخلاق هو الفعل فقال :" يكفي ان يحكم الانسان جيدا ليتصرف
جيدا". وفي العصر الحديث ارجع "كانط " الالزام الخلقي الى العقل
وقسم فلسفته الى ثلاثة اقسام " فلسفة العقل النظري الذي يدرس المعرفة وطرق
بنائها ، وفلسفة العقل العملي الذي يشتمل على " الدين والاخلاق "لان في
ذلك سلب لحرية الانسان ورفض المنفعة لأنها متغيرة والاخلاق عنده تأتي استجابة
لسلطة العقل أي اداء العقل احتراما للقانون العقلي في ذاته ، فيظهر الفعل الاخلاقي عن حرية ويصبح كليا
، وهذا ما اكد عليه " كانط "
حين قال :" اعمل بحيث يكون عملك قانونا كليا". ويتميز بالمثالية ويكون
دائما مطلوبا لذاته  لذا قيل :" عامل
الناس كغاية لا كوسيلة ".  
النقد والمناقشة : لكن نلاحظ ان هذه الاخلاق يصعب تطبيقها على ارض الواقع ، كما انها
مرتبطة دوما بالإرادة الخيرة  وهذا ما لا
يتوفر عند بني البشر، واذا كان العقل هو المقياس الوحيد للأخلاف . فكيف نفسر
اختلاف الافراد حول القيم الاخلاقية مادام العقل هو اعدل قسمة بينهم ؟.   
نقيض القضية الموقف الثاني :الاخلاق اساسها المجتمع والمنافع يرى انصار
المنفعة "النظرية النفعية" ان مصدر الالزام الخلقي يكمن في طبيعة
الانسان التي تدفعه الى طلب اللذة والتمسك بها والنفور من الالم ، " فاللذة
هي الخير والالم هو الشر ". والانسان برائيهم اناني يبحث دائما عن مصلحته
والقيم التي يؤمن بها هي التي تتوافق مع هذه المصلحة ، وهو ما ذهب اليه الفيلسوف
اليوناني "ارستيب القور نائي". حين كتب قائلا :" اللذة هي الخير
الاعظم هذا هو صوت الطبيعة فلا خجل ولا حياء" .حيث يؤكد ان اللذة الفردية هي
اساس العمل الخلقي ، غير ان "ابيقور" فضل اللذات المعنوية عن اللذات
الحسية مثل التأمل الفلسفي ومحور حياة الانسان هو اللذة ، فهي شرط السعادة وهي
مقياس الافعال . وهذا ما تجلى من خلال العبارة الشهيرة " اللذة هي بداية الحياة
السعيدة وغايتها ، هي ما ننطلق منه لنحدد ما ينبغي تجنبه". وفي العصر الحديث
ظهر ما يسمى مذهب " المنفعة العامة" على يد الانجليز ومنهم " جريمي
بنتام" الذي نقل موضوع الاخلاق من المجال الفلسفي التأملي الى المجال
التجريبي وهذا ما يتجلى في مقياس حساب الذات ، حيث وضع مجموعة من الشروط وقال  : " اللذة اذا اتحدت شروطها كانت واحدة
لدى جميع الناس" . وهكذا الانسان عندما يطلب منفعة بطريقة عفوية فهو يطلب
منفعة غيره . كما اننا نجد المجتمع هو المشرع لها وهذا بحسب اميل دوركايم :"
اذا تكلم الضمير فينا فانا المجتمع هو الذي تكلم" .
النقد والمناقشة : لكن نلاحظ انه لا
يمكننا اقامة اخلاق على اساس المنفعة لان منافع ومصالح الناس مختلفة ومتضاربة ،
وما يحقق منفعة لي قد يكون مضرة لغيري ، ولهذا قيل : " مصائب قوم عند قوم
فوائد" . كما ان ربط القيم الاخلاقية باللذة والالم يحط من قيمة الانسان  وينزله منزلة الحيوانية . كما ان المجتمع لا
يستطيع ان يمل على الفرد كل ما يحتاجه .
التركيب :"تجاوز"   يطرح المشكل الاخلاقي في المقام الاول اشكالية
المعيار والاساس . لذا قال جون ديوي :" لا تظهر المشكلة الاخلاقية الا حين
تتعارض الغايات ويحتار المرء ايها يختار" . ومن هذا المنطلق نرى ان المذهب
العقلي اخذ صورة مثالية متطرفة من خلال الاكتفاء بالعقل وحده واهماله لعنصر الدين وهنا تظهر مقولة فخت :" الأخلاق بلا دين عبث" وبيان ذلك ان جوهر
الاخلاق هو الالزام  وحسن الخلق وهو ما
اشار اليه ابوحامد الغزالي " حسن الخلق
يرجع الى اعتدال قوة العقل وكمال الحكمة والى اعتدال قوة الغضب والشهوة كونها
للعقل وللشرع مطيعة " .    
الخاتمة :   وختاما لما سبق
نقول انه رغم الاختلاف الظاهر حول الاسس التي يقوم عليها الفعل الخلقي الا انها
تبقى في حقيقة الامر كل الاسس متكاملة ومتداخلة يصعب فصل بعضها عن بعض ، ويمكن
القول ان الفعل الخلقي الحسن هو ما يأمر به الشرع ، ويتقبله العقل ويحقق منافع
مشتركة للبشر .
تعليقات
إرسال تعليق