الاحتلال البيزنطي لشمال افريقيا

الاحتلال البيزنطي لشمال افريقيا كان طموح الإمبراطور البيزنطي جوستينيانوس"justinien"، الراغب في إنشاء إمبراطورية عالمية واسترداد أمجاد الإمبراطورية الرومانية وراء الحملة البيزنطية على بلاد المغرب، وكما نجد أيضا جملة من الأسباب و العوامل التي عجلت ذلك، ويمكننا إيجازها في الصراع الديني الذي كان قائما آنذاك بين المذهبين المسيحيين الكاثوليكي والأريوسي ،وما نجم عنه من تعرض كاثوليك إفريقيا لمتابعات وإضطهادات عديدة طيلة فترة حكم الوندال الأريوسيين (429-533م)، الذين نعتوا ب:"أعداء الروح والجسد" في قانون جوستينيانوس، فكان من الطبيعي أن يلجأ هؤلاء إلى إمبراطور الشرق لطلب النجدة . ولقد هاجر إلى القسطنطينية في هذا الوقت عددا كبيرا من الأفارقة الذين كانوا ضحايا الإضطهادات الوندالية وعدد من الأساقفة الذي كانوا عرضة للتعذيب الوندالي والتف حول كل هؤلاء الأرثوذكس يتوسلون من الإمبراطور التدخل وكان "جوستينيانوس" مسيحيا ، كاثوليكيا متحمسا، وعند علمه بما يلاقيه أهل مذهبه في المغرب على يد الوندال الأريوسيين عزم على إنقاضهم وهي فرصة للاسترجاع أراضي بلاد المغرب من الو ندال في نفس الوقت كما أظهر هلدريك "Hilirie " تسامحا كبيرا تجاه الكاثوليك، قد تكون صداقته بـ:جوستينيانوس وراء ذلك، وهو ما أثار استياء الو ندال، كما كانت الهزائم العديدة التي منيت بها الجيوش الوندالية أمام الأهالي خاصة في المزاق، وراء الاستياء الجيش الوندالي وإبعاد "هيلدريك" وتعين "جلمير"Geilimer"حاكما جديدا ، وهو ما تسبب في انقسام عميق في صفوف الوندال ، وساعد ذلك في تدخل البيزنطيين. ضف إلى ذلك الثورات المحلية لقبائل المور التي لم تكن أقل إحراجا للسلطة الوندالية إذ لم تتأخر القبائل المحلية في العمل على التخلص من سلطة "جنسريق"، حيث أعلن عن إستقلال الأوراس من "هونوريق"Huniric " (477-484م) دون أن يتمكن الوندال من إخضاعهم ثانية ، بعد الأوراس يأتي دور منطقة الحضنة والزيبان فكانت هذه الثورات التي لم تجد رادعا لها وراء وصول الأهالي إلى السهول ، واجتياز خطوط الحصون الرومانية ، التي كانت تحول سابقا دون الوصول إلى الهضاب العليا النوميدية ، وكما كانت ثورة طرابلس في عهد تراساموندوس "Trassammund"(496-522م) بقيادة قابلون Gabaon، وفي عهد هلدريك تمكنت قبائل المزاق من إلحاق الهزيمة بجيوش الوندال اكثر من مرة ، فكانت كل هذه الثورات وراء إرهاق إمكانيات الوندال ، وإضعاف جيوشهم والحد من نفوذهم الذي بدأ ينحصر شيئا فشيئا ضافة إلى كل هذه العوامل، تجبر جلمير،وقصر نظره زيادة على انحياز قوط ايطاليا Ostrogoths" إلى جانب الإمبراطور البيزنطي جوستينيانوس، خاصة بعد اغتيال أمالا فريدا " Amalafrida " زوجة "تراساموندوس" القوطية. وكان وزراء جوستينيانوس يوقنون بأن البربر بعد أن نشأت ممالكهم ، واسترجعوا قوتهم لا يمكن أن يخضعوا لهم ، وأن الخسائر في احتلال ما يستطيعون احتلاله من المغرب أضعاف الربح، ولكن الغيرة على الأرثوذكس وحب الانتقام من الو ندال واستفزاز الأساقفة الأرثوذكس، وتحريضهم على الانتقام من الو ندال الأريوسيين وتخليص أتباع مذهبهم في المغرب جعل جوستينيانوس يصر على غزو المغرب رغم ما كان ينتظره من خسائر مادية وبشرية . وجاءت الفرصة المنتظرة حيث وقعت حرب داخلية بين الوندال في "سردينيا" واصطحب القائد البيزنطي "بليزار"معه في هذه الحملة زوجته فكان لا يخالف لها أمرا كما اصطحب رئيس أركان حربه"صولومون" Solomon" الذي كان له دورا رئيسيا سواء في محاربته للبربر أو في تنظيم افريقية ورافقه كذلك كاتبه ومؤرخه بروكوب(3) الذي يرجع له الفضل في وصف الحملة البيزنطية على بلاد المغرب نزل الأسطول البيزنطي بسواحل إفريقيا في أوائل سبتمبر من سنة 533م وكان القائد البيزنطي "بليزار"(1) شديد الحذر دائما فأبى السماح لقواده بدخول قرطاجة عنوة، وأذن لجيوشه في رأس كابودية" Ras Kabaudia على بعد حوالي مائة كلم ، من جنوب سوسة بـ تونس) التي توجه إليها، وكان يتقدم جيشه فيلق من الخيالة ،على يساره جند قوم الهان"Huns " ويواكبه على اليمين الأسطول البحري ، وظل يسلك بليزار الطريق الساحلي ، حيث كان يقطع كل يوم مرحلة صغيرة خشية الكمائن، ودخل الجيش البيزنطي سوسة بعد أن اجتاز بدون صعوبة رأس ديماس و لمطة ومنها وصل إلى سيدي خليفة وعندما وصل إلى جلمير خبر نزول البيزنطيين بإفريقية أسرع بالكتابة إلى شقيقه أما تاس Ammatas في قرطاجة يأمره بقتل هليدريك والمقربين منه وتجنيد الوندال والاستعداد الانتقال إلى سيد فتح الله وهو المكان الذي اختاره جلمير لمعركة كبرى كانت ستعرقل الزحف البيزنطي لولا الخطأ الذي ارتكبه أما تاس والذي كان سببا في اندحار الوندال في هذه المعركة ، وزوال دولتهم من الوجود في ما بعد ، حيث كانت خطة المعركة تقتضي بأن يخرج أما تاس من قرطاجة ويتقدم لوقف البيزنطيين عند مضيق سيدي فتح الله على بعد خمسة عشرة كلم من قرطاجة ، بينما يهاجم جيباموند Jibamund ابن عم جلمير ميسرة الجيش البيزنطي على رأس ألفي مقاتل، في الوقت الذي يهاجمهم جلمير من الخلف، كانت هذه الخطة مدبرة بشكل جيد ، وكان بالإمكان أن تكون لها نتائج وخيمة على الجيوش البيزنطية لو تم تنفيذها بشكل جيد لكن وصول أما تاس قبل وصول باقي القوات الوندالية ودخوله المعركة قبلهم مكن يوحنا الأرميني من التقدم نحو قرطاجة بعد إبادة قوات أما تاس الذي قتل في المعركة،تقدم جيباموند لمهاجمة مسيرة القوات البيزنطية لكنه اضطر إلى التراجع قرب سبخة السيجومي بعد أن ترك العديد من القتلى في الميدان، أما جلمير فقد فوت على نفسه الفرصة رغم الانتصار الجزئي الذي حققه على البيزنطيين نتيجة انشغاله بجنازة شقيقه فتمكن على إثره بليزار من جمع قواته ومباغتته وبدالك حققت الجيوش البيزنطية انتصارا كبيرا تمكن على اثر ذلك بليزار من دخول قرطاجة بسهولة في اليوم الموالي:14سيبتمبر533م عمل جلمير الذي فر إلى "يولاريجيا" حمام الدراجي" بعد شقيقه تازازون "Tazazon" من سردينيا على استرجاع ما فاته، فتقدم نحو قرطاجة التي حاول إخضاعها بقطع الماء عنها،كما حاول إقحام بليزار في المعركة دون جدوى، وفي 15ديسمبر من سنة 533م ، هاجمه هذا الأخير وهزمه في معركة" تريكاماروم" Tricamarum" التي لو هاجم فيها جلمير البيزنطي ساعة اقتسام الغنائم لا انتصر في المعركة. لكن تأثره بالصدمة الأولى وفراره نحو جبل" Paprua"فوّت عليه الفرصة مرة ثانية حيث ضيّق عليه فاراس"Pharas" الخناق حتى استسلم في شهر مارس من سنة 534م. بعد استسلام جلمير أرسل بليزار بعض قواده لاسترجاع قيصرية وسبته وبعض جزر البحر المتوسط ودام الحكم البيزنطي ببلاد المغرب أكثر من قرن (533-709م)

تعليقات

  1. طويل جدا جدا ليس مفيداااااااا

    ردحذف
  2. أحتاج الى بحث حول هذا الموضوع (الاحتلال البيزنطي لشمال إفريقيا)

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقالة فلسفية : هل الحقيقة مطلقة أم نسبية ؟

مقالة جدلية : "هل المنطق الصوري يعصم الفكر من الوقوع في الخطأ

هل يمكن للعلوم الإنسانية أن تكون موضوعا للدراسة العلمية ؟